إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) logo إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
shape
تفسير سورة الكهف
41571 مشاهدة print word pdf
line-top
بيان سبب إقامة الجدار

ثم قال: وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ هكذا اعتذر عن إصلاح الجدار، أنه كان لغلامين في المدينة؛ يعني: في تلك القرية التي مروا بأهلها فلم يضيفوهم. فيها غلامان وكأنهما يتامى، وكأنهما ممن وثق بأن الله أصلحهما. غلامين يتيمين في المدينة فاقدين لأبيهما، أو لأبويهم، واليتيم محل الشفقة، والرحمة، والرقة فرفق بهما الخضر وأصلح جدارهما؛ لئلا ينهدم، فيذهب ما تحته من الكنز. لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا هذا الكنز: لم يذكر ما فيه، يمكن أنه: ذخيرة من المال، ورثاه من أبيهما، وجعلاه تحت أو في ذلك الجدار، أو في ذلك المنزل يحفظ لهما، ولو سقط الجدار لعجزا عن إقامته؛ لضعفهما، ولو سقط أيضا لبرز ذلك الكسب، ذلك الكنز، ورآه المارة، ورآه الناس؛ فكان سببا في أن يذهب، يُنتهب، أو يُسرق، أو يُختلس، أو يَضيع عليهما؛ فإذا بلغا أشدهما، لم يكن عندهما ما يتقوتان به فرفق بهما الخضر وأقام، وأصلح الجدار لهما، يقول: فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ .
وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا أخبره، أو أعلمه الله تعالى بأن آباهما صالحا، وصلاح الآباء يدرك الأبناء ؛ فلما كان أبوهما صالحا أصلحهما الله تعالى بصلاح أبيهما، مع أن الأب قد مات، وتركهما وهما طفلين، والدليل أنهما يتامى: لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ واليتيم يزول عنه وصف اليتم بالاحتلام، إذا احتلم وبلغ فلا يسمى يتيما، يقول في الحديث: لا يُتْم بعد احتلام فدل على أن آباهما صالح تقي، وأنه توفي وهما صغيران، وأن الله تعالى حفظهما وأصلحهما، وأن هذا الكنز سبب لأن يستغنيا به عند حاجتهما؛ فلذلك قال: فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا يعني: يكبرا، ويبلغا الأشد، ويستخرجا كنزهما؛ فينفقانه في صالحهما، ويتصرفان فيه، سواء كان ذلك الكنز من الذهب أو من الفضة، أو من النقود الأخرى، أو من الفلوس، أو من الأمتعة، أو من الأثاث، أو من الأطعمة، ذكر بعض المفسرين أن ذلك الكنز كان لوحا. قيل: إنه لوح من فضة، أو لوح من ذهب، وأنه مكتوب فيه نصائح ومواعظ، وإن كان ذلك تخرصا، لا دليل عليه، يقول: فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ .
ثم يقول: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي أي: ما فعلته إلا بأمر من الله تعالى، ووحي منه.

line-bottom